هل يتزاور اهل الجنة ؟ وبذكرون ما كان بينهم في الدنيا؟
قال الله تعالي " فأقبل بعضهم علي بعض يتساؤلون ، قال قائل منهم إني كان لي قرين، يقول أأئنك لمن المصدقين، إئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون، قال هل انتم مطلعون، فاطلع فرآه في سواء الجحيم، قال تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين"
فأخبر سبحانه وتعالي أن أهل الجنة ، أقبل بعضهم علي بعض يتحدثون ويسأل بعضهم بعضاً عن احوال كانت في الدنيا، فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلي أن قال قائل منهم : إني كان لي رين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة، ويقول ما حكاه الله بقول : أئنك لمن المصدقين، بأنا نبعث ونجازي بأعمالنا ونحاسب بها بعد أن مزقنا البلي، وكنا تراباً وعظاماً ثم يقول المؤمن لإخوانه في الجنة: هل انتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه؟
هذا ظهر الأقوال ، وفيها قولان آخران :
احدهما : أن الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضاً: هل انتم مطلعون؟ رواه عطاء عن بن عباس.
والثاني: إنه من قول الله تعالي لأهل الجنة يقول: هل انتم مطلعون.
والصحيح القول الأول ، وأن هذا قول المؤمن لأصحابه ومحادثيه، والسياق كله والإخبار عنه وعن حال قرينه قال كعب :" بين الجنة والنار كوي، فإذا اراد المؤمن أن ينظر إلي منزلة عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض تلك الكوي"
وقوله :" فاطلع" أي أشرف، قال قائل: لما قال لأهل الجنة هل أنتم مطلعون؟ قالوا له: أنت أعرف به منا، فأشرف فرأي قرينه في سواء الجحيم ، ولولا أن الله عرفه إياه لما عرفه، من تغير وجهه ولونه وغيره العذاب أشد تغيير، فعندها قال :" تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين" أي إن كدت لتهلكني، ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك.
وقال تعالي " وأقبل بعضهم علي بعض يتساؤلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".
وقال الطبراني : حدثنا الحسن بن اسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا بن شريك عن بشير بن نمير عن القاسم عن أبي أمامة قال : سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أيتزاور أهل الجنة؟؟
قال" يزور الأعلي الأسفل ، ولا يزور الأسفل الأعلي، إلا الذيت تحابوا في الله يأتون منها حيث شاؤوا علي النوق محتقبين الحشايا:
وقال الطبراني عن ابي سورة عن ابي ايوب يرفعه:" إن أهل الجنة يتزاورون علي النجائب وقد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها ويستزير بعضهم بعضا، وبذلك تتم لذتهم وسرورهم، ولهذا قال الحارثي للنبي صلي الله عليه وسلم:" وقد سأله:" كيف اصبحت يا حارثة ؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً، قال : إن لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلي عرش ربي بارزاً، وإلي أهل الجنة يتزاورون فيها، والي أهل النار يعذبون فيها، : فقال صلي الله عليه وسلم" عبد نور الله قلبه"
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم الي بعض؟قال فيسير سرير هذا الي سرير هذا وهذا الي سرير هذا حتي يجتمعا جميعاً فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متي غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه: يوم كنا موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا" قال صلي الله عليه وسلم " إن من نعيم اهل الجنة أنهم يتزاورون علي المطايا والنجب وأنهم يؤتون الجنة بخيل مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول، فيركبونها حتي ينتهوا حيث شاء الله عز وجل فيأتيهم مثل السحابة فيها مالا عين رأت ولا اذن سمعت ، فيقولون أمطري علينا، فما يزال المطر عليهم حتي ينتهي ذلك فوق أمانييهم"
ثم يبعث الله ريحاً غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقهم وفي رؤسهم، ولكل رجل منهم جمة علي ما استهت نفسه، فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام، وفي الخيل ، وفيما سوي ذلك من الثياب ثم يقبلون حتي ينتهوا الي ماشاء الله تعالي،فإذا المرأة تنادي بعض اولئك: يا عبد الله أما لك فينا حاجة؟ فيقول : ما أنت ومن انا؟ فتقول: أنا زوجتك وحبك، فيقول، ما كنت علمت بمكانك، فتقول المرأة: أوما علمت ان الله تعالي قال " فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون"
فيقول : بلي وربي، فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفاً، لا يلتفت ولا يعود ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة.
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي اليمان حدثنا اسماعيل بن عياش بن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن أبيه عن ابي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم:" انه سأل جبريل عن هذه الآيه: " ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله"
قال : هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائبمن ياقوت، أزمتها الدر الأبيض، برحال الذهب أعناقها السندس والإستبرق، ونمارقها الين من الحرير، مد خطاها مد ابصار الرجال، يسيرون في الجنة علي خيول يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه، يضحك الله اليهم، وإذا ضحك الله إلي عبد في موطن فلا حساب عليه " اللهم اجعلنا منهم ياااااااااااااااااااااااااااااااااارب
قال ان ابي الدنيا: حدثنا الفضل بن جعفر بن حسن عن علي قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول"إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل، ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة خطوها مد بصرها، فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا ، فيقال لهم : فيقول الذين أسفل منهم درجة : يارب بما ابلغ عبادك هذه الكرامة؟ قال: فيقال لهم : كانوا يصلون في الليل وكنتم تنامون وكانوا يصومون وكنتم تاكلون، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتونوكنتم تجبنون.
اللهم اغفر لنا ما تقدم وما تأخر واجعلنا ممن ترضي عنهم واجعلنا اهلا لرضاك والجنة وارزقنا الفردوس الأعلي من الجنة مع الصديقين والشهداء بصحبة حبيبك محمد صلي الله عليه وسلم
يارب اجمعني واخوتي واحبتي في الله اللهم اني اشهدك أني احبهن كلهن فيك يارب استجب يارب استجب
نقلته عاشقة للجنة
من كتاب حادي الرواح الي بلاد الأفراح لابن قيم الجوزيه